الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية أغلبهم من النهضة: الحقيقة الكاملة المتعلقة بالتعويضات للمتمتّعين بالعفو التشريعي العام

نشر في  27 سبتمبر 2018  (11:20)

يواصل عدد من المنتفعين بالعفو التشريعي العام المطالبة بتفعيل المرسوم عدد 1 لسنة 2011 المؤرخ في 19 فيفري 2011 وبتمكينهم من حقوقهم ومن التعويضات جراء ما لحقهم من فترة حكم نظام بن علي، فهل تتحمل ميزانية الدولة تلك التعويضات، وهل تمّ تمتيع رفاقهم من مبالغ مالية في حين حرموا منها.

العفو التشريعي العام كان مطلبا حقوقيا قبل الثورة، وكان مطلبا ضغطت به العديد من المنظمات على نظام بن علي، ولكن بعد الرابع عشر من جانفي طُرح سؤال حول من يحق له التمتع بهذا العفو وما هي شروط ذلك؟

من بين الإشكاليات التي تمّ طرحها، هي مدى أحقية من حمل السلاح في وجه الدولة واستهدف الأفراد والمجموعات من التمتع بهذا الامتياز القانوني، وكانت ما يعرف بمجموعة سليمان جوهر هذا السؤال اذ تمت محاكمتهم على خلفية تورطهم في جرائم ارهابية وجرائم قتل وحمل السلاح، وقد ثبت تورط عدد كبير منهم في الدم. 
ضغوط على وزير أول ضعيف
ضغطت حركة النهضة عبر عدد من منتسبيها وقياداتها من أجل تمتيع جماعة سليمان الارهابية من العفو التشريعي العام، فيما كانت أغلبية المجتمع التونسي تعارض ذلك، وتهتم أكثر بسير أحداث الثورة. 
كان محمد الغنوشي وزيرا أول ضعيف الشخصية قابلا ومستوعبا للضغط الذي يمارس في تلك الفترة، الامر الذي جعله يخضع لتلك الضغوط ويصدر المرسوم عدد 1 قبل اسقاط حكومته بستة أيام. 
تمكنت مجموعة سليمان وعدد آخر من المتورطين في الارهاب من التمتع بالعفو العام، مع من تعرض للبطش والقمع والقهر من أجل أفكاره ومواقفه في عهد حكم نظام بن علي بشتى منظوماته السياسية والأمنية والثقافية والاقتصادية ....
أغلب المنتفعين من النهضة
تفيد المعطيات الى أن حركة النهضة ينتمي اليها أكبر عدد من المنتفعين بالعفو العام ثم يليها مناضلون من اليسار ومن القوميين والحقوقيين والديمقراطيين...
تمكنت النهضة من الوصول الى السلطة في انتخابات أكتوبر 2011، ولم تمض بعض الأشهر حتى أصدر حمادي الجبالي أمرا لتقنين أحكام للانتداب الاستثنائي، وهو الأمر عدد 833 لسنة 2012 المؤرخ في 20 جويلية 2012 المتعلق بضبط كيفية تطبيق أحكام القانون عدد 4 لسنة 2012 المؤرخ في 22 جوان 2012 المتعلق بأحكام استثنائية للانتداب في القطاع العمومي. 
كما لم تمض فترة حتى أصدرت حكومة علي العريض أمرا للتعويض للمنتفعين بالعفو العام وهو الأمر عدد 2799 لسنة 2013 مؤرخ في 9 جويلية 2013 يتعلق بضبط صيغ وإجراءات النظر في مطالب التعويض ذات الصبغة الاستعجالية المقدمة من طرف الأشخاص المنتفعين بالعفو العام
التبرير القانوني للتعويضات 
وينص الامر المتعلق بالتعويضات في فصليه الأول والثاني على أنه يضبط صيغ وإجراءات النظر في مطالب التعويض ذات الصبغة الاستعجالية المقدمة من طرف الأشخاص المنتفعين بالعفو العام طبقا لأحكام المرسوم عدد 1 لسنة 2011 المؤرخ في 19 فيفري 2011 والمتعلق بالعفو العام، ومنحهم تسبقات إلى حين وضع الإطار القانوني الخاص بالتعويض المنصوص عليه بالفصل 2 من المرسوم المذكور.
كما نص الفصل الثاني على انه يُقصد بمطالب التعويض ذات الصبغة الاستعجالية المطالب المقدمة من طرف الأشخاص المنتفعين بالعفو العام على معنى أحكام المرسوم عدد 1 لسنة 2011 المشار إليه أعلاه أو أولي الحق منهم الذين ليس لهم مورد رزق قار أو الذين لهم دخل صاف يحدد أقصاه بقرار من وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية بعد أخذ رأي اللجنة الاستشارية المنصوص عليها بالفصل 4 من هذا الأمر.
لجنة للتعويضات... وتسبقة بالمليارات
اللجنة النصوص عليها بالفصل الرابع هي التي تنظر في تلك الملفات وقد مكنت 3646 منتفعا بالعفو العام من تسبقة على التعويضات بلغت قرابة 22 مليارا من المليمات أي بمعدل ستة الاف دينار للفرد الواحد.
التعويضات كانت بين سنتي 2012 و2013 الا ان الأحداث السياسية والدموية التي شهدتها البلاد خاصة اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي والتي أدت الى اسقاط حكومة النهضة، أوقفت إجراءات التسبقة على التعويضات ولم يتمكن أكثر من 350 شخصا من المنتفعين بالعفو العام من تلك التعويضات رغم ان اللجنة وافقت على مطالبهم. 
تجميد الإجراءات 
تم تجميد تلك الإجراءات في عهد حكومة مهدي جمعة، الا انه في حكومة الحبيب الصيد تم إصدار الامر عدد 446 لسنة 2016 المؤرخ في 08 أفريل 2016 وتم بموجبه تنقيح الامر عدد 2799 لسنة 2013 وتم بذلك احالة اللجنة الاستشارية التي نص عليها الفصل الرابع من هذا الامر المتعلق بالتعويضات من وزارة حقوق الانسان والعدالة الانتقالية التي تم الغاؤهاواسنادها الى وزارة الشؤون الاجتماعية. 
كما تمّ اثناء ذلك تسوية الوضعيات المهنية والوظيفية للبعض من المتمتعين بالعفو العام والتي بلغت حسب تصريحات الوزير في حكومة يوسف الشاهد عبيد البريكي " منذ 2012 قرابة 200 الف عون بالوظيفة العمومية انتدابا وادماجا". 
الصناديق الاجتماعية
أما في علاقة بالصناديق الاجتماعية، فلقد تم التنصيص على تمكين المتمتعين بالعفو العام من مساهمات الأجراء ومساهمات الأجير على مدى فترة الانقطاع، وبلغت مبالغ التسوية قرابة 120 مليارا. 
بالنسبة الى الإنتداب بالوظيفة العمومية فلقد تم مثلا سنة 2012 فقط انتداب زهاء 6 آلاف منتفع من العفو العام أكثر من 85 بالمائة منهم من المحسوبين على حركة النهضة. 
ثلاث مقاربات حول التعويضات
مشكل العفو التشريعي العام لم يكن تمكين المتمتعين بحقوقهم المهنية التي حُرموا منها زمن ديكتاتورية نظام وسلطة بن علي ولم تكن تمكينهم من الحق في العلاج وإدماجهم في المنظومة الصحية ولم يكن حقهم في الوظيفة العمومية وفي التشغيل عموما، ولكن المشكل الأساسي تمثل في قضيّة التعويضات، والتي ظهرت فيها ثلاث مقاربات، المقاربة الأولى تقول بان هؤلاء تعرضوا للتعذيب والسجون والحرمان من العمل والعلاج وحتى الحياة في عهدربن علي وعصابته، وبالتالي فإنّ الأدنى هو تمكينهم من التعويضات والاعتذار لهم. 
أما المقاربة الثانية فتقول إنّ الذين عملوا على اسقاط بن علي والسعي لافتكاك السلطة منه واستعملوا من أجل ذلك العنف وماء النار والقتل والتفجيرات لا يستحقون التعويض لأنهم لم يكونوا بصدد الدفاع عن فكرة أو رأي أو عقيدة وإنما كانوا يريدون الوصول الى السلطة وبالتالي فانهم في معركة وجود مع بن علي، ويتساءل أصحاب هذه المقاربة عن شرعية ومشروعية التعويض عن النضال. 
المقاربة الثالثة، تعتبر أن المتمتعين بالعفو التشريعي العام، باستثناء من تورطوا في السلاح والدم، هم ضحايا نظام بن علي وسلطته القمعية، وبالتالي فان لهم الحق في العلاج والحق في الالحاق بالعمل في اطار القانون وبعد تأهيلهم، لا أن يتم تكليفهم بمهام مفصلية في الإدارات، أما عن مسألة التعويض المالي فهي عملية مهينة يرضى فيها المناضل الذي ناضل من أجل رحيل الديكتاتورية أن يتم إعطاؤه مبلغا ماليا لقاء انتصار الشعب على الديكتاتورية وكأنّ النضال كان عملا وظيفيا يُنتظر منه لقاءً ماليا. 
المشكل لم ينته بعد
قضيّة المنتفعين بالعفو التشريعي العام، مازالت متواصلة اذ مازال عدد منهم لم يحصل على ما حصل عليه البعض الآخر، واعتبروا ان مرسوم العفو العام لم يتم تفعيله، ومنهم من دخل في اعتصام واحتجاج. ومن جهة ثانية فلقد سلّمت هيئة الحقيقة والكرامة منحا ومساعدات استعجالية لعدد منهم. مع الاشارة الى أنّ التيارات اليسارية والقومية رفضت الحصول على تعويضات واكتفت بالمطالبة بالكشف عن الحقيقة ومحاسبة المذنبين وردّ الاعتبار لمن عانى ويلات الديكتاتورية التي كان يقودها المخلوع زين العابدين بن علي، فيما طالب الاسلاميون بتمكينهم من التعويضات المالية ومنهم من حصل عليها فيما لايزال اخرون بصدد المطالبة.

المصدر: الشروق